رسالة ترحيب من رئيس النادي

منذ أن تأسس نادي الإمارات العلمي من قبل ندوة الثقافة والعلوم في 15 يناير 1990م كان من الضروري الاهتمام بالصغار والشباب لاكتشاف مواهبهم وتنمية قدراتهم الإبداعية والابتكارية وصقلها بالأساليب العلمية لإبراز عناصر القوة في مساعيهم الاستكشافية وإظهار مواهبهم الابتكارية والإبداعية وتدريبهم على أساليب البحث والتصميم والإنتاج التجاري لمنتجاتهم الابتكارية.

يلعب النادي العلمي دورا إيجابيا في شغل أوقات الفراغ لدى الأطفال والشباب وإبراز قدراتهم الخفية واستثمارها في مجالات تطور فيهم المهارات الابتكارية والإنتاجية وتنمي فيهم الطاقة الإيجابية وتبعدهم عن الآثار السلبية التي تنتج عن الملل في عدم الاستفادة من أوقات الفراغ. إذا أردنا أن نسرد التاريخ الحديث للتطورات العلمية لوجدنا التطورات السريعة ما حصلت إلا في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرن.  دعنا نتتبع المعالم الزمنية التي كان لها الأثر في تشكيل عالمنا الحاضر المتحضر ودور النادي العلمي في تثقيف الأعضاء مفهوم الثورات العلمية وأثرها في تحديد معالم التطور في مجتمع ما والتعرف على العناصر التي أدت إلى هذا التقدم العلمي البشري لجعلها نقطة انطلاقة لمواهبهم الابداعية.


عندما استهل القرن العشرون استطاع العالم الإيطالي ماركوني إرسال معلومات صوتية عبر المحيط الأطلسي.. وكانت هذه هي الخطوة الأولى لثورة الاتصالات.. وحين أشرف القرن الماضي على الانتهاء تفجرت ثورة الاتصالات والتكنولوجيا لتبعث شعاعها إلى كل بيت بل إلى كل فرد في أرجاء الكرة الأرضية الضئيلة من هذا الكون الواسع.. ونظراً للقفزات الجبارة في تقنية الاتصالات والمعلومات.. ولتمشي قدماً مع التطورات المعلوماتية حملت دولة الإمارات على عاتقها مسؤولية نقل صناعة التكنولوجيا إلى المجتمع الإماراتي وتقديم الخدمات المعلوماتية إلى كل من يقطن هذه الأرض الطيبة.. ولذلك أصبحت دولة الإمارات سبّاقة من بين الدول العربية في تطويع التكنولوجيا وتصنيعها وتقديم خدمات الاتصالات والإنترنيت بكفاءة عالية تضاهي كفاءة الدول المتقدمة في هذا المجال.. وحين ولج القرن الواحد والعشرون أو الألفية الثالثة خرج العالم من عصر المعلومات ليدخل عصر المعرفة.. هذا العصر الذي ولّد الاقتصاد المعرفي وبنى المجتمع المعرفي.. هذا العصر الذي أزال المسافات والحواجز الجغرافية بين شعوب العالم وبين الدول المتباعدة وبين التجارات العالمية.. هذا العصر الذي فرّب المفاهيم ووحّد الأساليب والمفاهيم الفكرية والعلمية.. هذا العصر الذي اعتمد على القاعدة المعرفية لبناء اقتصاد معرفي.. وهذا يعني أن المعرفة هي أساس التقدم الحضاري في الوقت الحاضر والمستقبل.. والسؤال يطرح نفسه.. هل هناك شروط لمواكبة العصر المعرفي وبناء الاقتصاد المعرفي؟ والجواب يكمن في بناء الأساس المعرفي وإعداد القاعدة البشرية المعرفية.. ومن هذا المنطلق رسمت دولة الإمارات خطة استراتيجية متزنة لبناء الأساس المعرفي وخطة بعيدة المدى لتحقيق جزء من الرؤية التي ارتآها قادة المسيرة في الدولة.. فبدأت ببناء البنية التحتية من البنية التعليمية وشبكات النقل وشبكات الاتصالات والشبكة المعلوماتية والبنية المالية والأعمال.. لتكون على أتم الاستعداد لأي مشروع جديد يتطلب البنية التحتية و يتسنى لها تنفيذ البنيات الفوقية من البنية الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية والتقنية والمعرفية.. وهنا يكمن دور النادي العلمي في تعريف الشباب بأهمية تعلم العناصر العلمية التي تبنى منها أساسات البنية التحتية وتبنى عليها المشاريع العلمية والاقتصادية والتجارية التي ترقى بها الدول إلى مصاف الدول المتقدمة.  وبالفعل وبناء على المساهمة الفعالة من الشباب المبدعين تحققت إنجازات تقنية عالية في مدة زمنية قصيرة أدت إلى أن تصبح الدولة مثلاً يحتذى بها في جميع المحافل والمؤتمرات العلمية.. فنذكر بعضاً من الإنجازات التي وضعت الإمارات خارطة الدول المتقدمة.. مدينة دبي للإنترنيت أولى هذه المشاريع التقنية التي تهدف إلى تقديم الخدمات التقنية والإنترنيت وتصنيع وتصميم وتطوير البرامج التخصصية.. ولحقتها مشاريع أخرى مثل الحكومة الإلكترونية ومشروع التجاري الإلكتروني وقرية المعرفة.. هذه المشاريع تغطي شريحة واسعة في البرمجيات وشريجة أخرى في التعليم الإلكتروني.. ولكن لم تكتمل الدائرة التقنية والمعرفية دون وجود تصنيع لمكونات وأجهزة التقنيات.. وكان لا بد من تأسيس مشاريع تكمل الدائرة المعرفية وترتقي بالدولة إلى دولة صناعية في التكنولوجيا وتصدرها إلى العالم..


والمثال الأول للإنجازات التقنية هو مشروع واحة دبي للسيليكون يهدف إلى نقل المجتمع الإماراتي من مجتمع استهلاكي إلى مجتمع صناعي معرفي ومن مجتمع اقتصادي تقليدي إلى مجتمع اقتصادي معرفي.
واحة دبي للسيليكون مجمع صناعي تكنولوجي يقوم بتصنيع جميع مراحل صناعة الإلكترونيات وأشباه الموصلات.. فمنها مرحلة الأبحاث والتطوير ومرحلة التصميم الإلكتروني ومرحلة التصنيع والتخريم والاختبار والتقييم ومرحلة التسويق والتصدير.. فمشروع السيليكون مشروع فريد من نوعه في المنطقة يهدف إلى تحقيق رؤية القيادة الحكيمة لتصبح دولة الإمارات دولة صناعية مبنية على قاعدة اقتصادية معرفية.. وتحقيقاً لرؤيتها فقد أسست الواحة شركة دبي لتصميم الدوائر الإلكترونية والتي توفر خدمات تصميم الدوائر المتكاملة لمصانع الأجهزة المتكاملة والشركات والبيوت العالمية في مجال التصميم الإلكتروني في مجال الدوائر المتكاملة ذات الخاصية التطبيقية.. ومن إنجازات الشركة أنها قامت بتصميم لأول دائرة إلكترونية متكاملة في المنطقة ذات عملية صناعية تكنولوجية مقدارها 65 نانومتر والتي أعطيت لمصنع شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات لتصنيعها.. هذه الدائرة مصممة لأمن البيانات المعلوماتية والتي تحتوي على 22 مليون ترانزستر..


أما المثال الثاني فهو مشروع مصدر بأبوظبي والذي يهدف إلى إيجاد حلول للبشرية في مجالات أمن الطاقة والتطوير المستدام والتغيير المناخي وتطوير القوى البشرية الخبيرة.. وأهم إنجازاتها فهي مشروع مصنع الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء والتي أعلن عنها قي الآونة الأخيرة حيث تبلغ الفدرة الإنتاجية لها 10 ميجاوات وهي تعتبر أكبر شبكة ربط في الشرق الأوسط في مجال الطاقة المتجددة.


و لو نظرنا إلى واقع التقدم العلمي لوجدنا العلم لا حدود له.. وهو لا يتوقف عند حد معين ليعطي فرصة لبعض شعوب العالم لأن تلحق بالركب.. ومن ثم يبدأ التحرك من جديد.. فالعلم يتقدم بصورة مستمرة مما يفرض على الدول أن تنمّي قدراتها التقنية وتطور خدماتها الأساسية وتشجع علماءها في الرقي بعلومهم.. ففي بداية القرن الحالي استطاع العلم أن ينتج أجهزة إلكترونية متناهية الصغر تغرس في جلد الإنسان بحيث يأخذ الشخص المعلومات الكاملة عن شخص آخر عند المصافحة ودون تبادل بطاقات التعارف.. وفي الوقت الحاضر يتوقع العلماء تطورات سريعة في مجالات تقنية المعلومات والاتصالات والتكنولوجيا.. فمن الاختراعات المتوقعة والتي سترى النور قريباً العدسة اللاصقة للعين والتي بدورها ستوفر للشخص كل المعلومات الممكنة عن شخص آخر حين اللقاء في حالة نسيان تلك المعلومات عن ذلك الشخص خاصة إن كان المدى الزمني بين اللقائين كبيراً..  هذا التحدي لمواكبة العصر يجعل التنافس في أوجه.. ودولة الإمارات مدركة لهذا التنافس وهذا التحدي ومستعدة لخوض معركة التكنولوجيا والمعلومات التقنية محتمية بدرع التقدم التقني والنظرة المستقبلية الواضحة وخطوات تنفيذها في ظل الرعاية الحكيمة التي يوليها قادتها.


إن نادي الإمارات العلمي لهو صرح غير ربحي يولد منتجات إبداعية من قبل أعضاء مبدعين ومبتكرين.  لذا كان من الضروري إنشاء أقسام تخدم المجتمع وتبرز فيهم روح المساهمة في جعل الإمارات دولة رائدة في تصدير مخترعاتها الابتكارية.  فيضم النادي أحد عشر نشاطا ويضم عددا كبيرا في عضويته من أبناء الدولة،  ويشرف على إدارته نخبة من أبناء الدولة المتخصصين ذوي الخبرة والتجربة العريضة .

الدكتور / عيسى محمد البستكي
رئيس مجلس الإدارة
وعضو مجلس إدارة ندوة الثقافة والعلوم

@ebastaki